مراجعة رواية “شجرتي شجرة البرتقال الرائعة”

 

tree

العنوان: شجرتي شجرة البرتقال الرائعة.
 الكاتب: خوسيه ماورو دى فاسكونسيلوس.
المترجم: إيناس العباسي.
عدد الصفحات: 245
الناشر: مسكيلياني للنشر والتوزيع
تاريخ النشر الأصلي: 1968
تاريخ نشر الترجمة: 2018

 

“بحثًا عن اكتشاف الأشياء”، هذا هو عنوان الفصل الأول الذي بدأ به دى فاسكونسيلوس روايته المتمحورة حول شخصية “زيزا”، الطفل البرازيلي المشاكس صاحب الخمسة أعوام، والذي يعيش مع أسرته في أحد أحياء ريو دي جانييرو الأشد فقرًا. يمتلك زيزا ذكاءً فطريًا ساعده على إتقان القراءة وحده قبل أن يدخل المدرسة، وخيالًا واسعًا جعله يشارك أبطال أفلام “الكاوبوي” مغامراتهم دون أن يغادر باحة منزله.

كانت لزيزا طريقته الخاصة في اكتشاف الأشياء من حوله، طريقة لطالما قادته إلى المشاكل، ومن ثم إلى الضرب المبرح على مؤخرته الصغيرة، بالإضافة إلى نعته بالشيطان، والطاعون، وقط المزاريب. لقد نشأ هذا الطفل الهزيل في بيئة أسرية قاسية تمامًا؛ الأب بلا عمل، والأم تعمل في مصنع بعيد ولا تعود إلا مع غروب الشمس. كانت مائدتهم دومًا بلا طعام يُذكر في عيد الميلاد، وجواربهم بلا هدايا من “سانتا”، فيسوع الصغير لا يحب الفقراء، أو هذا ما وَقَر في قلب الصغير الذي كان يتجول أحيانًا في الشوارع بصندوق تلميع الأحذية طمعًا في كسب القليل من المال ليشتري به الكريات، أو صور نجوم السينما، أو علبة تبغ يصالح بها أباه. وبالرغم من حب الجميع لزيزا – بما فيهم أشقائه وأقاربه – إلا أن أحدًا لم يشعره قط بوجود هذا الحب. كان الفقر يغذي غضب الجميع، وكانت حماقات الصبي الصغير تحرر هذا الغضب.

يظل والد الصبي بلا عمل، وتنتقل الأسرة إلى منزل أصغر، حيث يجد زيزا في باحته الخلفية صديقه الوفي الجديد، جذع شجرة برتقال سمّاه “مينجوينهو”، يتحدث إليه، ويسمع منه، ويرويان لبعضهما الحكايات. تمر شهور الصيف، ويدخل زيزا المدرسة، وتزداد حماقاته التي أدت إحداها إلى صداقة وطيده بينه وبين السيد البرتغالي الذي دعاه زيزا “بورتوجا”. مع مانويل فالداريس – أو بورتوجا – يجد زيزا الحنان الذي افتقده في منزله، فيحاول التوقف عن قول البذاءات، ويعد بأن تقل حماقاته، ثم تتوالى أحداث الرواية، وتتوالى معها مغامرات الصبي النحيل الذي يُصادق جذع شجرة وسيدًا برتغاليًا في عمر والده.

 لم يكن مكتوبًا على غلاف الكتاب سوى أنه رواية، لكن بعد أن قرأت الأسماء التي أوردها الكاتب خوسيه دى فاسكونسيلوس في الإهداء، ثم وجدت هذه الأسماء تتكرر في المتن، أدركت أن الرواية ما هي إلا السيرة الذاتية للكاتب نفسه، سيرة بدأت بالطفولة وانتهت بها.

أكثر ما أعجبني حقًا هو اختيار الكاتب للطفل “زيزا” ليكون هو الراوي، ونجاحه في تقمص طريقة التحدث والتفكير لدرجة لا تجعلك تشك ولو للحظة أن من يروي الحكاية هو شخص آخر غير الطفل ذي الخمسة أعوام. لقد رسم خوسيه دى فاسكونسيلوس ببراعة تفاصيل معاناة الأطفال الفقراء في البرازيل، وأبرز التفاوت الطبقي الكبير الذي أوجدته الرأسمالية بين أبناء الحي الواحد. كما جعلنا نرى بعيون “زيزا” أن سماء الفقر لا تمطر إلا فقرًا، وأن هذا العالم في حاجة دائمة إلى المزيد من الحب.

يقول الكاتب في ختام سيرة طفولته الذاتية: “مرت السنوات عزيزي مانويل فالديراس، أنا الآن عمري ثمانٍ وأربعون سنة، وأحيانًا، في حنيني، يجتاحني شعور بأنني ما زلت دائمًا طفلًا. بأنك ستظهر فجأة وتجلب لي صور النجوم أو كريات. إنه أنت من علمني رقة الحياة عزيزي “بورتوجا”. الآن جاء دوري في توزيع الكريات والصور، لأن الحياة من دون الحنان لا تساوي شيئًا ذا بال”.

ولد البرازيلي خوسيه ماورو دى فاسكونسيلوس عام 1920 في ريو دي جانييرو لأب قوقازي ذي أصول برتغالية وأم هندية من السكان الأصليين. لم يكمل دراسة الطب، وتنقّل بين العديد من الوظائف، منها عمله كحمّال ومزارع ومدرب ملاكمة. كتب خوسيه ماورو العديد من الروايات، لكن لم يذع صيت أي منها – داخل البرازيل أو خارجها – سوى “شجرتي شجرة البرتقال الرائعة” التي نُشرت عام 1968. توقف نشر الترجمة الإنجليزية للرواية لأربعين سنة كاملة قبل أن تقوم “بوشكين بريس” بإعادة طباعتها في عام 2017. كما نشرتها بالعربية لأول مرة هذا العام دار مسكيلياني للنشر بدولة تونس. توفي دى فاسكونسيلوس عام 1984 بمدينة ساو باولو عن عمر ناهز الأربعة وستين عامًا.

أضف تعليق